ذكرى #وفاة #المشير أربعة أعوام منذ الرحيل المر هل شباب عادت المياه إلي مجاريها ؟
بقلم: الدكتور د. بخيت تبير على
أبريل 2021- أبريل 2025 أربعة أعوام شهدت البلاد أحداث مفصلة وتحولات تأريخية كبيرة رسمت خارطة سياسية جديدة للبلاد أختلفت فيها موازين القوة والتحالفات السياسية وتغيرت إلى حد كبير.
تعطيل مفاجئ للعمل بالدستور وحل الحكومة وجميع مؤسسات الحكم الدستورية من ثم إعلان ميلاد مجلس عسكري إنتقالي لإدارة شؤون البلاد لمرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر في ظروف سياسية وأمنية عصيبة مليئة بالتحديات المحلية وجوار إقليمي ملتهب.
الغياب المفاجئ للمشير
العشرين من أبريل/نيسان 2021 أصبحت البلاد على واقعة جلل هزت جميع أركانها إثر نقل التلفزيون القومي فاجعة موت المشير إدريس ديبي إتنو رئيس الجمهورية رأس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة التشادية في جبهات القتال في ولاية كانم شمال غربي البلاد ضد بعض الحركات المعارضة المسلحة، هكذا غاب المشير الأب عن الساحة السياسية إذ لم يسعفه الوقت حتي يسمع خبر فوزه بولاية رئاسية جديدة الذي أعلن عشيت وفاته
خلف هذا الغياب المفاجئ للمشير فراغا في السلطة حيث رحل ومعه الصندوق الأسود للبلاد، كان أغلب الرهانات والتكهنات والتوقعات تصب في خانة احتمالية انزلاق البلاد إلى الفوضى والاحتراب وحالة من عدم الإستقرار الأمني والسياسي إلا أن الأمور جرت بشكل مغاير ويرجع الفضل في ذلك إلي وجود جيش وطني قوي وجبهه داخلية متماسكة يعي تماما خطورة المرحلة ووعورة الطريق الذي سيمر بها البلاد.
أدرك الجيش مبكرا حجم المسؤولية التي ألقيت على عاتقه حين غرة وحجم التحديات التي ينتظرها مع محدودية الخيارات المتاحة أمامها هذا الإدراك المبكر والقراءة الصائبة للوضع الراهن مكنها من قيادة وتسيير الفترة الانتقالية بكل حنكة واقتدار.
تكوين المجلس العسكري الانتقالي.
العشرين من أبريل 2021 أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة التشادية تكون مجلس عسكري إنتقالي وعهد إليه زمام الأمور لقيادة البلاد وإدارة هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد والخروج به إلى بر الأمان، ضم المجلس العسكري في عضويته خمسة عشر جنرال من ضباط الصف الأول في الجيش تم ذلك باختيار نوعي يمثلون فيه كل أقاليم البلاد،
اوكل رئاسة المجلس إلي نجل المشير الراحل الجنرال محمد إدريس ديبي، شاب في العقد الرابع من العمر يشغل منصب قائد الحرس الوطني حينها.
جاء في البيان الأول للمجلس العسكري الإنتقالي إلغاء الدستور وإيقاف العمل بأحكامه وحل البرلمان وإقالة الحكومة، وجاء فيه أيضًا تعهد المجلس العسكري بالحفاظ على أمن واستقرار الدولة وسلامة أرواح وممتلكات المواطنين وبث رسائل اطمئنان للشعب وتهدئة المخاوف بأن الأوضاع تحت السيطرة.
من أهداف تكوين المجلس العسكري حسب ما ورد في بيانه أن المجلس يهدف إلى إجراء مصالحة وطنية بين التشاديين وترسيخ أسس المصالحة وارساء دعائم بناء دولة حديثة والعودة إلى النظام الدستوري عبر اقتراح صيانة مسودة دستور جديد للبلاد يتم إقراره بإستفتاء شعبي ووضع إطار زمني لإجراء إنتخابات رئاسية.
اتفاقية الدوحة للسلام.
فور تولي المجلس العسكري الانتقالي زمام إدارة البلاد أطلق رئيس المجلس الجنرال حينها محمد إدريس ديبي مبادرة نداء الوطن إلي كل القوة السياسية المدنية والعسكرية للتوجه نحو الجلوس إلى طاولة الحوار والمشاركة في عملية التحول السياسي والمساعدة في إخراج البلاد من فترة انتقالية إلى نظام دستوري ديمقراطي دائم.
استجابة لهذا النداء تجمع أكثر إثنين وخمسون من الفرقاء من ممثلي الحركات العسكرية المسلحة والاحزاب السياسية المعارضة في العاصمة القطرية الدوحة برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ تميم ين حمد آل ثاني أمير دولة قطر، بعد عدة جلسات ومداولات ونقاشات خلص حوار الدوحة إلي التوقيع على اتفاقية الدوحة للسلام في الثامن من آب/أغسطس2022م ابزر ما جاء في اتفاقية الدوحة هي
نقل منبر التفاوض إلي الداخل لإستكمال ما تبقى من بنود في حوار وطني شامل بالعاصمة التشادية انجميناء
وقف إطلاق النار ووقف العمليات العدائية بين المجلس العسكري الانتقالي من جهة والحركات العسكرية والأحزاب المعارضة من جهة أخرى.
الحوار الوطني الشامل.
على غرار الحوار الوطني الذي أطلق المارشال ديبي الأب عام 1993م أطلق محمد إدريس ديبي رئيس المجلس العسكري الحوار الوطني الشامل في العشرين من آب/أغسطس 2022م حضره 1400 من الشخصيات الاعتبارية من ممثلي الحركات المسلحة والاحزاب السياسية ومنظمات دولية وإقليمية بالإضافة جمعيات منظمات المجتمع المدني المحلي وشخصيات قومية واعيان اجتماعية ورجال دين و حضور مجموعة من أبرز النخب الأكاديمية.
افتتح الحوار رئيس المجلس العسكري الانتقالي في قصر الخامس عشر من يناير بالعاصمة انجمينا حيث جاء في كلمته الافتتاحية(إن هذا الحوار الوطني الشامل يشكل لحظة حاسمة في تاريخ بلادنا) وأضاف إن الحوار سيرسم سبل انطلاقة جديدة.
بعد تداولات استمر لمدة ثلاثة أسابيع أقر الحوار الوطني خارطة طريق لمرحلة انتقالية تفضي إلي إيجاد نظام سياسي دستوري عبر إنتخابات حرة.
من أهم النتائج التي خرج بها المؤتمرون:
صياغة دستور جديد للبلاد واقراره عن طريق استفتاء شعبي.
تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين.
السماح لرئيس المجلس العسكري الانتقالي بالترشيح في الانتخابات الرئاسية.
انشاء وزارة خاصة تعني بالمصالحة الوطنية.
الإفراج عن جميع أسرى الحرب.
من نقاط الخلاف الجوهرية رفض بعض الحركات والأحزاب المعارضة تمديد الفترة الانتقالية إضافة إلى التمسك بشرط عدم اي من أعضاء المجلس العسكري الانتقالي في الانتخابات القادمة، لكن برر(الائتلاف من أجل تشاد موحدة) وهو تحالف سياسي عريض يضم في عضويته 220 حزب سياسي بقيادة حزب الحركة من أجل الإنقاذ الحاكم برر السماح لرئيس المجلس العسكري بالترشيح بالنجاح الكبير الذي حققه في إدارة دفة المرحلة الانتقالية ومن البلاد من الانزلاق إلى الفوضى الأمنية.
بهذه المخرجات طويت صفحة الحوار الوطني الشامل بدأ مرحلة أخرى جديدة يختص بكتابة الدستور والانتقال إلى إجراء الإنتخابات.
الإنتخابات الرئاسية.
السادس من مايو/أيار 2024م كان موعد الإنتخابات الرئاسية والسباق نحو القصر الوردي حيث تباري عشرة مرشحين للرئاسة ضمت القائمة محمد إدريس ديبي رئيس الفترة الانتقالية ورئيس وزراءه الدكتور سيكسى ماسرا رئيس حزب المحولون، انحصر التنافس بيت هذين الاسمين إذ يمتلك حزب المحولون قاعدة جماهيرية عريضة بصفة خاصة في الشطر الجنوبي من العاصمة وعموم البلاد إلا أن شعبية هذا الحزب تراجع بشكل لافت عقب توقيع رئيسه اتفاقية كنشاسا مع النظام وجاء على إثره رئيسًا لحكومة الفترة الانتقالية الثانية واتهمه بعض أنصاره بالخيانة والتنازل عن ثوابت الحزب بمشاركة السلطة مع نظام غير شرعي حسب تعبيرهم.
هذا التحول في موقف الحزب أفقده الكثير من قاعدته الجماهيرية.
ومن الأحزاب التي كان يرجى منها لعب دور كبير في إحداث التغيير الحزب الاشتراكي بلا حدود بقيادة يحي ديلو بيجي الذي يشاطر الحزب الحاكم قاعدته وينافسه في معاقله في النصف الشمالي للبلاد، إلا أن الأمور سارت بمنحي آخر تمام وخرج الحزب الاشتراكي من المشهد السياسي بصورة دراماتيكية مأساوية حيث قتل زعيم الحزب السيد ديلو في اشتباكات مسلحة بين الجيش وبضع أفراد من أعضاء الحزب، حسب الرواية الرسمية للحكومة أن بعض أعضاء الحزب الاشتراكي قادوا تمردا مسلح ضد القوات النظامية على بعد عدة أمتار من القصر الرئاسي وما كان على الجيش إلا يحسم الأمر قبل أن يستفحل، وتأسفت الحكومة لاحقا على مقتل ديلو في تلك الاشتباكات.
مقتل السيد ديلو وغيابه عن الساحة السياسية بهذه الصورة الغامضة ألقى بظلاله على مجمل عملية التحول السياسي المنشود والمرتقب هكذا طويت صفحة أحد الأحزاب العنيدة وإخراجها من المعادلة السياسية، خلف هذا الحدث التراجيدي مناخا من التوجس والخوف في الساحة السياسية واروقة أحزاب المعارضة الأخرى الحالمة، مما دفعهم إلى الصمت أو اختيار المنفى أو الإنضمام للحكومة عبر الولوج إلى قطار الموالاة الظاهرة التي أطلق عليها عراب الحركة الإسلامية في السودان الراحل د. حسن عبدالله الترابي أطلق عليها مصطلح (التوالي السياسي) كتعريف لها.
في ختام السباق الانتخابي للرئاسة فاز مرشح الائتلاف من أجل تشاد موحدة رئيس الفترة الانتقالية الثانية محمد إدريس ديبي بالاستحقاق بنسبة 61,3% وجاء في المركز الثاني زعيم حزب المحولون د. سيكسى ماسرا بحصوله على نسبة 18,53% من أصوات الناخبين.
يضع الرئيس المنتخب نصب عينيه عامل الإستقرار الذي يركز من خلاله على قدرة البلاد على احتواء التحديات الأمنية الماثلة المهددة للدولة سواء كانت من الجماعات الإرهابية أو الحركات العسكرية المسلحة التي لا تزال خارج العملية السياسية وبعض الأحزاب السياسية والمنصات الرافضة لنتائج الإنتخابات.
الإنتخابات التشريعية.
في ديسمبر 2024م أجرت الحكومة إنتخابات المجلس التشريعي لإختيار نواب الشعب في الغرفة الأولى للبرلمان جرت الإنتخابات التشريعية في أجواء سياسية متوترة جدا قاطعها قوى المعارضة الكبرى في البلاد حزب المحولون بحجة عدم الشفافية والمصداقية واتهم الحزب الوكالة الوطنية لإدارة الإنتخابات بالتلاعب بقوائم الناخبين فيما شاركت خمسة وخمسون حزب سياسيا في السباق نحو مقاعد الجمعية الوطنية كما كل التوقعات لقد حصد الحزب الحاكم حزب الحركة الوطنية من أجل الإنقاذ 124 مقعدا من أصل 188 بذلك حصل الحزب الحاكم على الاغلبية المطلقة من المقاعد.
مجلس الشيوخ المحطة الاخيرة.
أن بادرة تكوين غرفة ثانية أو علياء في البرلمان التشادي يعرف بمجلس الشيوخ ظهرت لأول مرة في العام 2020م في تعديلات دستورية تم اقرارها إبان عهد المارشال الراحل إدريس ديبي اتنو فيما حالت الظروف دون إنتخاب أعضاء للمجلس المحدث آنذاك بسبب وفاة المارشال الذي تلاه تعطيل العمل بالدستور وحل مؤسسات الحكم الدستورية على يد المجلس العسكري الانتقالي في العشرين من أبريل/نيسان 2021م .
في الخامس والعشرون من ديسمبر/كانون أول صوت الشعب التشادي بنعم في الاستفتاء الذي أجرى على مسودة الدستور الجديد بنسبة 86% بذلك تم اعتماده دستورا للجمهورية الخامسة، فيما يخص البرلمان إقرار برلمان يتكون غرفتين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
يمثل مجلس الشيوخ الغرفة الثانية للبرلمان يتكون من 69 عضوا يتم إنتخاب 46 منهم عن طريق الاقتراع العام غير المباشر من قبل المستشارين البلديين والاقليميين بينما يتم تنصيب 23 عضوا الباقي من قبل رئيس الجمهورية.
بحسب الوكالة الوطنية لإدارة الإنتخابات في الخامس والعشرون فبراير/شباط 2025م توجه نحو 2592 ناخب من أصل 2594 ناخب إلي صناديق الاقتراع بنسبة مشاركة تقترب من ال100% وقد فاز الحاكم ب45 مقعدا من أصل 46 مقعد.
تم تحديد دورة مجلس الشيوخ بستة أعوام ويمثلون الجماعات البلدية والاقليمية في الغرفة العلياء من البرلمان،
من مهام هذا المجلس تمثيل واقاليم البلاد والدفاع عن المسؤولين المنتخبين محليا ومراقبة السلطات الإدارية من خلال نشر التقارير الدورية حول مختلف المواضيع.
في حال نشوب خلاف بين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ تكون كلمة الفصل للجمعية الوطنية إلا أن الأخير له دور كبير في الإجراءات الرئيسية مثل التعديلات الدستورية، أعضاء مجلس الشيوخ أكبر سنا في المتوسط مقارنا مجلس النواب وينضمون مجلس الشيوخ في الجزء الأخير من حياتهم.
بتكوين مجلس الشيوخ وتنصيب أعضاءه في السابع من آذار/مارس 2025م استكملت البلاد أخر حلقة من حلقات تشكيل وبناء مؤسسات الحكم الدستورية في رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر والمطبات استغرقت زها أربعة سنوات، كان ذلك وفاء للعهد الذي قطعه رئيس المجلس العسكري الانتقالي المارشال محمد إدريس ديبي اتنو صبيحة توليه قيادة البلاد لفترة انتقالية صعبة.
يحسب هذا الإنجاز في المقام الأول للشعب التشادي الذي إلتف حول جيشه وقيادته على الرغم من الصعوبات الجمة التي يثقل كاهله اختار أن الوطن قبل كل شيء بمساعدة الجيش الوطني والوقوف جنبا إلى جنب معه لتحقيق التحول السلس والأمن من الفترة الانتقالية إلي نظام دستوري ديمقراطي وكان له ما أراد.
أن التحول الذي شهدته البلاد يعد واحداً من ضمن النجاحات السياسية الكبرى والتاريخية في منطقة ملتهبة غير مستقرة تعاني العديد من دولها حالات إحتراب وصراعات دامية وتدخلات خارجية كارثية زادت الأوضاع الأمنية سواء، بين هذا وذاك تطوي تشاد صفحة الانتقالية وتفتح صفحة الجمهورية الخامسة في واحدة من أنجح نماذج التحولات السياسية في إفريقيا.